رسالة الحروف
أبي نصر الفارابي
كتاب "الحروف" الذي ينشر قصة على هذه الصفحات لأول مرة هو من أكبر مصنفات أبي نصر الفارابي وأعظمها غناء للمهتمين بدراسة الفكر العربي عامة والفلسفة الإسلامية وفقه اللغة العربية خاصة، كتبه أمام المنطقيين في عصر بلغ فيه الفكر العربي أوجه في تفهم أمور العلم واللغة، وضرورة التعبير الصحيح عن ما ينظر الإنسان فيه ويعقله. فلا يستغني عن قراءته من يشتغل في تاريخ الفلسفة واللغة.
وأهم ما يجده الناظر في الكتاب اليوم هي الشروح الوافية لمعاني المصطلح العلمي الفلسفي في العربية ولغات أخرى غير العربية، والتعريف بما عمله المترجمون عنه نقلهم هذا المصطلح من اليونانية والسريانية، وتفسير المعاني العاميّة وصلتها بالمعاني العلمية، ثم البحث في أصل اللغة واكتمالها وعلاقتها بالفلسفة والملّة. وهذه أمور لم تكن معروفة قبل العثور على أصل كتاب "الحروف" أن الفلاسفة الذين كتبوا بالعربية قد استقصوا البحث فيها. ومع ذلك فموضوع الكتاب ليس اللغة والمصطلح العلمي فحسب، ولكنه تفسير لكتاب "ما بعد الطبيعة" لأرسطو طاليس، وهو أول كتاب ينشر للفارابي، في علم ما بعد الطبيعة، وما نشر له من قبل في هذا العلم مختصرات موجزة لا يفصل الفارابي فيها القول في الموجود وأعراضه كما يفعل في هذا الكتاب. وهو أقدم شرح واف بالعربية لأغراض كتاب "ما بعد الطبيعة" يعثر على أصله، ولا شك في أنه كان مصدراً استقى منه شرّاح كتاب "ما بعد الطبيعة" الذين أتوا بعد الفارابي، مثل ابن سينا وابن رشد، الكثير من آرائهم، في العلم الإلهي، وقد أضفى المحقق بعمله في هذه النسخة على كتاب الفارابي سهولة ووضوحاً مقدماً هذا الكتاب بمنهجية علمية معاصرة بمقابلة النسخ الأصلية الموجودة،
Read Now
DOWNLOAD : DOC
الفصل الأوّل حرف إنّ (1) أمّا بعد فإنّ معنى انّ الثبات والدوام والكمال والوثاقة في الوجود وفي العلم بالشيء. وموضوع إنَّ وأنَّ في جميع الألسنة بيّن. وهو في الفارسيّة كاف مكسورة حينا وكاف مفتوحة حينا. وأظهر من ذلك في اليونانيّة " اُنْ " و " اُوْن "، وكلاهما تأكيد، إلا أنّ " اُوْن " الثانية أشدتأكيداً، فإنه دليل على الأكمل والأثبت والأدوم. فلذلك يسمّون الله ب " اُوْن " ممدود الواو، وهم يخصّون به الله، فإذا جعلوه لغير الله قالوها ب " اُنْ "مقصورة. ولذلك تسمّي الفلاسفة الوجود الكامل " إنية " الشيء- وهو بعينه ماهيّته - ويقولون " وما إنية الشيء " يعنون ما وجوده الأكمل، وهو ماهيته. إلاّ في الإخبار فقط دون السؤال.
الفصل الثاني: حرف متى (2) وحرف " متى " يُستعمَل سؤالا عن الحادث من نسبته إلى الزمان المحدود المعلوم المنطبق عليه، وعن نهايتي ذلك الزمان المنطبقتين على نهايتي وجود ذلك الحادث - جسما كان ذلك أو غير جسم - بعد أن يكون متحركا أو ساكنا، أو في ساكن أو في متحرّك. وليس بشيء من الموجودات يحتاج إلى زمان يلتئم به وجوده أو ليكون سببا لوجود موجود أصلا. فإن الزمان متى مّا عارضٌ باضطرار عن الحركة، وإنما هو عِدّة عدّها العقل حتى يمحي به ويقدّر وجود ما هو متحرّك أو ساكن. وليس الحال فيه مثل الحال في المكان، فإن أنواع الأجسام محتاجة إلى الأمكنة ضرورة في الأشياء التي أحصاها من قبل.
iTheme Techno Blogger by Black Quanta. Theme & Icons by N.Design Studio
Free Blogger Templates created by The Blog Templates
Free Blogger Templates created by The Blog Templates