الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم
محمد بن فتوح الحميدي
لقى المسلمون-على تعاقب الأجيال- صحيحي الإمامين البخاري ومسلم بالقبول، إذ هما من أصحّ الكتب بعد كتاب الله تعالى. وقد قرّر الإمام النووي ذلك بقوله: "اتفق العلماء على أن أصحّ الكتب-بعد القرآن العزيز-الصحيحان: البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول..." ولما كانت هذه مكانة هذين الكتابين، فقد انصرفت جهود العلماء إلى العمل على تقريبهما، لتسهل الاستفادة منهما، وكان من جملة ذلك تلك الجهود التي بذلت في سبيل الجمع بينهما، وممن قام بعملية الجمع هذه العلامة الجوزقي، وأبو نصر الحميدي صاحب كتابنا هذا وغيرهم. وكان لكل طريقة في الجمع، وفقاً للغاية التي يسعى إليها.
أما غاية الحميدي (من كتابه هذا) فكانت كما ذكرنا جمع أحاديث الصحيحين في كتاب واحد مرتب على المسانيد بحيث يجمع أحاديث كل صحابي من الصحيحين في موضع واحد. وقد قسم المؤلف الكتاب خمسة أقسام:
الأول: مسانيد العشرة المبشرين بالجنة، بدأه بمسند الصديق، ثم الخلفاء الثلاثة بعده، ثم سائر العشرة، رضوان الله عليهم وعلى الصحابة أجمعين. الثاني: مسانيد المقدمين بعد العشرة، بدأه بمسند عبد الله بن مسعود، وختمه بمسند سلمة بن الأكوع، وعدد الصحابة في هذا القسم أربعة وستون.
وأما القسم الثالث: فهو لمسانيد المكثرين من الصحابة، وهم ستة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأبو هريرة. وهذا هو القسم الأكبر من الكتاب، وفيه ما يقرب من نصفه.
والقسم الرابع: لمسانيد المقلين، وفيه واحد وأربعون مسنداً. وفي آخر هذا القسم ذكر مسانيد الصحابة الذين أخرج لهم البخاري دون مسلم ، وهم خمسة وثلاثون، ثم الذين أخرج لهم مسلم دون البخاري، وعددهم خمسة وخمسون.
أما القسم الخامس والأخير الكتاب هو لمسانيد النساء، بدأه بمسند عائشة أم المؤمنين -أطول المسانيد، ثم بمسند فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مسانيد سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلك، ثم الصحابيات التي اتفق الشيخان على الإخراج لهن، وعددهن كلهن أربع وعشرون، وبعد ذلك أورد الحميدي ست مسانيد للصحابيات اللاتي انفرد بهن البخاري دون مسلم، ثم سبع صحابيات أخرج لهن مسلم دون البخاري، رضوان الله عليهن أجمعين.
وداخل كل مسند من المسانيد السابقة يبدأ المؤلف بذكر ما اتفق عليه الإمامان، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم من ذلك المسند.
وفي كل من هذه الثلاثة يجعل الحميدي كل معنى حديثاً- وإن اختلف في بعض ألفاظه قليلاً أو كثيراً، سواء أكان ذلك الاختلاف بين الشيخين، أو بين روايات الشيخ نفسه.
ويعطي الحميدي لكل حديث رقماً مسلسلاً في القسم الخاص به من المسند. وهو يراعي في ترتيب الأحاديث داخل القسم الخاص به أن يجمع أحاديث الراوي عن الصحابي في مكان واحد، وهو يرتب الرواة عن الصحابي حسب مكانتهم، فيقدم رواية الصحابي عن الصحابي، ثم رواية غيره عن الصحابي، في ترتيب يرتضيه المؤلف ويلتزم به، فإذا قدم رواية سالم عن عبد الله في المتفق عليه، قدمها أيضاً في أفراد البخاري، وفي أفراد مسلم.
وإذا كانت أحاديث التابعي عن الصحابي كثيرة، فإنه يراعي في ذلك رواية الراوي عنه، ويحاول جمعها في مكان واحد. وإذا كثرت هذه الأحاديث حاول ترتيبها ترتيباً موضوعياً، وإن لم يلتزم بذلك دائماً.
ويبدأ المؤلف في المتفق عليه بما اتفق عليها الشيخان في الراوي عن الصحابي ويأتي بعده بما اتفق عليه الشيخان عن الصحابي، مع اختلالهما في الراوي، ويسميه المتفق عليه من ترجمتين.
والحميدي إذا نقل حديثاً عن الصحابي قدم الرواية التي للشيخين، أو التي الاختلاف بينهما فيها قليل، وهو ينقل الحديث بلفظ أحد الشيخين إن اختلفا. ويميل إلى الرواية الأتم، وقد ينبه على صاحب الرواية، ثم يتبعها بعد ذلك بما جاء في الحديث نفسه من الروايات الأخر عن الراوي نفسه بزيادة أو نقصان أو اختلاف، ثم ما جاء من الحديث عن رواة آخرين، ومع التنبيه إذا كانت الرواية لهما أو لأحدهما، ويسكت أحياناً.
وتمييز المؤلف بين الروايات هو الذي جعله يذكر في السند غير التابعي، كالراوي عن التابعي أو الراوي عنه، وقد يميز بينهما بالشيخ الذي روى عنه البخاري أو مسلم. وجمع المؤلف روايات حديث الصحابي، مع الاختلاف في بعض المعاني والألفاظ، أو اختلاف الرواة عنه، جعله يختلف عن كتب الأطراف: ففي تحفة الأشراف للمزي مثلاًُ نرى الحديث الواحد يرد في مواضع متعددة من المسند الواحد، تبعاً لرواة عن صاحب المسند. فحديث لعائشة قد يرد في ترجمة عبد الله ابن عباس عن عائشة، وفي ترجمة عروة عنها، والأسود عنها.. وهكذا.
وإذا كان الغرض الرئيس للكتاب والمؤلف جمع الصحيحين وترتيبهما، وهذا عمل ليس باليسير، وفيه جهد كبير في تجميع الروايات وترتيبها وعرضها، إلا أن للحميدي في الكتاب عملاً وجهوداً كثيرة، ولم يتوقف عند ما ذكرناه.
فهو يورد رواية للحديث، ثم يقارنها بسائر الروايات، ويبين ما بينها من زيادات أو اختلافات، أو مشابهة.
ومن أكثر ما يميز كتاب الحميدي إتمامه لأحاديث جاءت مختصرة في الكتابين، أو جاءت محمولة، أو مدرجة كما يقول المؤلف -على أحاديث قبلها. فكثيراً ما نجد البخاري يقول: وتابعه... ونجد مسلماً يقول بعد سوق السند: بنحو حديث.. وفي هذه الأحوال يسعى الحميدي إلى إتمام الحديث أو إيراد روايته، بالسند الذي جاء مختصراً أو مدرجاً. وقد رجع الحميدي في ذلك إلى كتب المستخرج على الصحيحين للإسماعيلي، والبرقاني، وخلف، وأبي مسعود وغيرهم من المحدثين.
ولأهمية هذا الكتاب عمل "الدكتور علي حسن البواب" على تحقيق الكتاب وهدفه إخراجه بالشكل الذي تؤدي منه أكبر خدمة للقارئ، ومما عمله في التحقيق أولاً: عدم الإشارة إلى الاختلافات اليسيرة بين النسخ، والاقتصار في ذلك على بيان ما بينها من فروق ذات قيمة، أو ما في بعضها من سقط أو زيادة تؤثر على النص، كما لم أنبه على الاختلاف بين رواية المؤلف ورواية الصحيحين إلا إذا كانت ذات أهمية، أو فيها إسقاط أو زيادة أو خلاف كبير، إذ أن الاختلاف في بعض الكلمات، أو التقديم والتأخير كثير، والعناية به والتنبيه عليه قد يثقل حواشي الكتاب.
ثانياً: تخريج الأحاديث برواياتها المختلفة من البخاري ومسلم، بتحديد اسم الكتاب، والجزء والصفحة، والرقم المسلسل للحديث. وإذا كان الحديث قد ورد أكثر من مرة -وبخاصة في البخاري- مقتصر على الرواية الأولى إذا كانت موافقة لرواية المؤلف لفظاً وإسناداً، أو إذا كان ذلك الموضع ذكر فيه الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي المواضع التي ورد فيها الحديث.
ثالثاً: اجتهد كثيراً في تخريج الروايات التي أضافها المؤلف إلى الكتابين سواء أكان ذلك من مصادر ذكرها المؤلف، أم من مصادر لم يذكرها -ما أمكن ذلك وتيسر.
رابعاً: علق على كل ما رآه محتاجاً إلى ذلك، دون إطالة ولا إسراف، كما ربط الأحاديث، وأحال على مواضع الحديث إذا لزم ذلك أو أحال المؤلف. خامساً: أما شرح الغريب فلم يتوسع فيه كثيراً، واقتصر على بعض ما لا بد منه.
سادساً: أما ما في الكتاب من آراء، أو مسائل فقهية، أو أحكام، فقد وضح ما يلزم منها، وأحال على المصادر. ومع كل صحابي ذكر بعض المصادر له، وكان أكثر رجوعه في ذلك إلى "المجتبى" و"التلقيح" لابن الجوزي، "والرياض المستطابة" للعامري، لما فيها من حديث موجز عن الصحابة، وذكر لعدد ما روي لكل واحد منهم من الأحاديث في الصحيحين، على أن في حواشي "المجتبى" مصادر أخر للترجمة، كما أحال على "الإصابة" لابن حجر.
ورقم المسانيد، كما رقم الأحاديث كلها ترقيماً مسلسلاً، ليسهل الإحالة عليها، وفهرستها
Read Now 1 - 2 - 3 - 4
DOWNLOAD : PDF (1, 2, 3, 4) / DOC
تحميل الكتاب من هنا
مسند الحميدي
الإمام الحافظ الكبير أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي
يعد مسند الإمام الحافظ الكبير أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي (ت219هـ) شيخ الإمام البخاري هو من أوائل ما صنف من المسانيد بمكة المكرمة، وهو من الأصول الأصيلة في الحديث، ومن المصادر التي اعتمد عليها الأئمة في وضع تصانيفها. وهو مصنف ليس بالكبير، إذ أنه يشتمل على ألف وثلاثمائة حديث، مرتبة ضمن أسماء الصحابة على طريقة أصحاب المسانيد، لكن أسماء الصحابة فيه لست على ترتيب حروف الهجاء، وإنما سلك المؤلف مسلك ترتيبهم على السابقة والأفضلية، فبدأ بمسانيد الخلفاء الراشدين، وأتبعهم بمسانيد باقي العشرة المبشرين –إلا طلحة بن عبيد الله إذ لم يرد له من طريقه حديث- وهكذا إلى أن ذكر مشانيد (180) صحابياً ممن له رواية عنهم، ومنهم عدد كبير لم يرو من طريقهم إلا حديثاً واحداً Read Now 1, 2
DOWNLOAD : PDF 1,2 / DOC
جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس
محمد بن فتوح الحميدي
يعود نسب المصنف الحميدي إلى جده حميد المذكور أصله من قرطبة من ربض الرصافة. وكان الحميدي موصوفاً بالنباهة والمعرفة والإتقان والدين والدرع وكان كثير التشاغل بالعلم ترك مؤلفات كثيرة وهامة في مختلف العلوم الدينية والعلمية والاجتماعية والأدبية والتاريخية، ويعد كتابه "جذوة المقتبس في ذكر ولادة الأندلس" الذي نقلب صفحاته من المؤلفات الهامة حيث جمع فيه الحميدي، تراجم لرجال الأندلس، وقد وجه عنايته إلى أصحاب الحديث، وأهل الفقه والأدب، فبدأ كتابه بمقدمة تاريخية وضع فيها القارئ أمام التطورات السياسية التي عاش فيها هؤلاء العلماء.
وقد تتبع الحميدي فيه فتح الأندلس على يد طارق بن زياد حتى منتصف القرن الخامس الهجري، ثم بدأ في إيراد تراجم كتابه، فيبدأ الترجمة باسم العالم متتبعاً نسبه حتى الجد العاشر أحياناً، ثم يذكر كنيته ونسبته وبلده وشيوخه ونشاطه ورحلاته ومؤلفاته، ثم يعرض نماذج من شعره إن وجدت، ومطارحاته، وقد يورد القصص والروايات.
وقد اعتمد الحميدي في جمع مادة كتابة علي شيخة أبي محمد علي بن أحمد، وعلي حصيلته من أخبار ملوك تلك البلاد حتى وقت خروجه منها إلى المشرق، وهذا مما جعل للكتاب أهمية خاصة لعدم وجود هذه الروايات في كتب أخرى. ومن الملاحظ اهتمام الحميدي في هذا الكتاب بالجانب الأدبي بجانب اهتمامه بالجانب العلمي، ويظهر ذلك في اختياره لبعض الأبيات الشعرية التي تخللت التراجم التي اختارها في كتابه، وقد جاء الكتاب، محققاً في هذه الطبعة حيث اتخذ فيه المحقق الخطوات التالية: القيام بقراءة النص على المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية، وتصحيح النص وتنقيته من الأخطاء، مراجعة النص على ما وجد من تراجم في "تاريخ علماء الأندلس" و"بغية الملتمس" والمقارنة بينهم، وضع رقم مسلسل لتراجم الكتاب، القيام بتخريج تراجم الكتاب على كتب الرجال وبخاصة كتابي "بغية الملتمس" و "تاريخ علماء الأندلس" وكذلك "الصلة" القيام بتخريج الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، استهلال الكتاب بمقدمة احتوت على ترجمة للمؤلف مع تعريف بالكتاب، وضع فهارس أبجدية لتراجم الكتاب لتسهيل البحث عن التراجم
DOWNLOAD: PDF