الحلة السيراء
ابن الأبار القضاعي
مؤلف الكتاب هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي المعروف بابن الأبّار (595/ 1199 و658/ 1260) أصاب في حياته علماً وفيراً، ووصل إلى الوظائف الكبرى في عنفوان شبابه، وظل بعد ذلك صدراً في بلده بلنسية وفي كل مكان حل فيه، وأوتي من الذكاء وبعد الفهم وقوة الذاكرة وبلاغة اللسان ما كان كفيلاً بأن يهيئ له حياة سعيدة، أو مستقرة على أقل تقدير، ولكنه خلق ذا طبع قلق ونفس حائرة وقلب ذي طماح بعيد المطارح، فلم يقر له حال منذ أيفع إلى أن مات، ولم يسعد من حياته الطويلة إلا بفترات قصار معظمها وهو دون الثلاثين، ثم ما زالت الخطوب تنزل بساحته وما زال يعينها على نفسه حتى تكدرت حياته ما بقي له من أيام العمر بعد ذلك، وانتهى به الأمر إلى مصرع فاجع على يد من خدمه وملأ الصفحات بمديحه. ألّف ابن الأبّار كتباً كثيرة، وهي في ثلاثة فنون: الحديث والأدب والتاريخ.
ولكي يبقى ميدان ابن الأبّار الحقيقي التاريخ والتراجم بصورة خاصة. وكتبه الأربعة الباقية في هذا الفن تشهد بملكة عظيمة في هذا الميدان، ولا تتجلى هذه الملكة كما تتجلى في "الحلة السيراء" وهو ثمرة كتبه دون جدال. وهو يضم تراجم الأمراء السفراء أهل المئات الأولى والثانية والثالثة والرابعة الهجرية. ولابن الأبّار فيه لمحات وإشارات واستدراكات تدل على أنه كان مؤرخاًَ حقاً عارفاً بتاريخ الإسلام حافظاً له قارئاً لكتبه، وهو يستدرك فيه على ثغر من أئمة المؤرخين أخطاء لا يشبه لها إلا عالم متمكن ذو ملكة واعية. والكتاب دون شك عظيم الفائدة، وهو من عيون ما ألّف أهل الأندلس قاطبة ومن المراجع التي لا يستغنى عنها من يؤرخ له أو يكتب في أي ناحية من نواحي الحياة فيه وقد ذهب بعض المحدثين إلى أن عنوان الكتاب الكامل: "الحلة السيراء في شعر الأمراء" والمحقق لم يجد ما يؤيد هذا في المخطوط ولا عند الموثوق فيهم ممن كتبوا عنه، لذا فقد جعل عنوان الكتاب "الحلة السيراء" فحسب.
ذاكراً أن صاحب الفضل في اكتشاف القيمة التاريخية والأدبية لهذا الكتاب كان المستشرق دوزي ولفظ "السّيراء" الذي استعمله ابن الأبّار في العنوان لفظ نادر الاستعمال، ولكنه جميل أحسن أبن الأبّار في اختياره. وقد ورد في "لسان العرب" في معنى هذا اللفظ":... وثوب مسيّر وشبه مثل السيور. وفي "التهذيب": إذا كان مخططاً وسيّر الثوب والسهم جعل فيه خطوطاً، وقيل هو ثوب مسيّر فيه خطوط تعمل من القز كالسيور. وإذن فالمراد بالعنوان: الحلة ذات خطوط من حرير. وهذا كفاية من مادة الكتاب، وما فيه من الشعر. وجدير بالذكر أن شعر الكتاب ليس كله لأمراء، بل فيه الكثير من شعر الوزراء والكتاب وأصحاب الجاه والعلماء، والشعر كله جيد، مما يدل على ملكة ابن الأبّار كناقد للشعر عارف بالجيد منه وغير الجيّد.
ولكن أهم من الشعر في الكتاب نثره، فهو تراجم غاية في الفائدة لعدد كبير من الشخصيات التاريخية في المغرب والأندلس من القرن الهجري الأول إلى منتصف القرن السابع مع مادة تاريخية لا بأس بها عن أعلام مشارفة من أهل القرن الأول كان لهم نصيب في فتوح المغرب والأندلس. وفي كل هذه المواد يبدو ابن الأبّار مؤرخاً فحلاً واسع الاطلاع، نافذ النظر صادق الحكم. هذا وأنه من حسن الحظ أنه تخلى عن السجع بعد فراغه من فاتحة الكتاب، فجاء أسلوبه قويماً حيناً بليغاً يرتفع إلى أحسن مستويات الأساليب العربية الصافية
1, 2, 3
DOWNLOAD : PDF 1, 2, 3
.
iTheme Techno Blogger by Black Quanta. Theme & Icons by N.Design Studio
Free Blogger Templates created by The Blog Templates
Free Blogger Templates created by The Blog Templates