إخلاص الوداد في صدق الميعاد
ويليه: مايفعله الأطباء والداعون بدفع شر الطاعون
مرعي بن يوسف الكرمي
وصدق الوعد من الخصال الكريمة الفاضلة، التي اتصف بها العرب في جاهليتهم قبل البعثة المحمدية، فمدحوا من يصدق في وعده ويوفي به، وذموا من يخلفه ولا يحرص عليه، يصدقهم في ذلك قول عامر بن الطفيل.
ومع مجيء الإسلام أكدت النصوص الشرعية على الوفاء بالوعد وإنجازه، وجعله من كرائم الأخلاق التي يتصف بها المؤمنون.
وقد اهتم الفقهاء بالكلام على حكم الوفاء بالوعد لما يترتب عليه من أحكام فقهية وقضائية، فتناولوها ضمن كتاب "الإيمان والنذور"، ولم يغفل الحديث عنها علماء العقائد من أهل السنة عند التفصيل في قضية إنفاذ وعد الله ووعيده، والرد على مذهب المعتزلة في ذلك.
ومن العلماء الذين سبقوا الشيخ مرعي الكرمي إلى التصنيف في الوفاء بالوعد: الحافظ المتقن شمس الدين السخاوي.
أما رسالة الشيخ الفقيه مرعي الكرمي "إخلاص الوداد" فقد جمع فيها فوائد، واصطاد لها فرائد، وبناها على ضوء قوله تعالى: "واذكر في الكتب إسماعيل، إنه كان صادق الوعد".
وساق فيها كلام جماعة من المفسرين على الآية الكريمة في كون الوفاء بالوعد من خلق الأنبياء، ومن صفات المؤمنين الأصفياء، وانتقل إلى وفاء إسماعيل عليه السلام بوعده، وصبره على الذبح، كما ساق بعض الأحاديث والآثار في صدق الوعد، والوفاء بالعهد، ثم ختمها بالكلام على حكم الوعد الفقهي، وهل يلزم من حيث الحكم القضائي، بحيث يلزم القاضي من أخلف وعده بأدائه والالتزام به؟
تناول كل ذلك ناهجاً فيه منهج الاختصار والإيجاز، البعيد عن الإخلال والانحياز.
أما الرسالة الثانية فهي أيضاً للشيخ مرعي الكرمي" وهي تأتي تحت عنوان "ما يفعله الأطباء والداعون بدفع شر الطاعون" عرف المتقدمون الطاعون بتعاريف مختلفة، بحسب ما توفر لهم من معلومات عن هذا الوباء في ذلك الوقت، وقد حده علماء الطب الحديث بقولهم: الطاعون سببه بكتريا عضوية عنقودية تصطبغ سلباً بصبغة جرام، وتعتبر براغيث الفئران الناقل الأساسي لميكروب الطاعون، وتتغذى هذه البراغيث على الدم.
والطاعون عند أهل الطب عدة أنواع بالنظر إلى نوعيتها وخطورتها، ويعتبر بنو إسرائيل أول من أصيب به في القديم، إذ انتشر بينهم الفساد والزنا والربا، فعاقبهم الله عز وجل بالطاعون ابتلاء لهم وتأديباً.
ويمكن القول بأن علماء المسلمين أولوا اهتماماً كبيراً بالحديث عن مرض الطاعون، وتفصيل الكلام عند سواء كان ذلك ضمن شروحهم على كتب الحديث والسنن، أو بالتصنيف المستقل فيه، بل إن النصوص التي وصلتنا من تراثنا الإسلامي عن الطاعون في كلام الفقهاء والمحدثين تفوق نصوص الأطباء المتقدمين عنه، إذ لا نجد عند هؤلاء سوى إشارات متواضعة لا تقاس بتفصيل العلماء من أهل الفقه والحديث إطلاقاً.
وهكذا نجد أن الفقيه مرعي الكرمي قد اهتم بموضوع الطاعون اهتماماً بالغاً دفعه لتصنيف أكثر من كتاب فيه، فقد جمع في رسالته: "تحقيق الظنون بأخبار الطاعون"، عدة نصوص حول موضوع الطاعون، وجعله في عشرين فصلاً تناول في كل فصل منه مسألة من مسائله، وناقشها في ضوء كلام العلماء.
ويظهر جيداً من خلال المقارنة الأولية لكتاب "تحقيق الظنون" مع رسالة "ما يفعله الأطباء والداعون"، أن هذا الأخير يكاد يكون مختصراً لكتابه الأصل تحقيق الظنون، إذ تحدث فيه عن قضيتين مهمتين، هما: جدوى الأدعية والأذكار في دفع الطاعون، والتساؤل عن دور الطب في دفع الطاعون عن الناس.
هذا ويمكن تلخيص أهم معالم منهجه في هذه الرسالة في النقاط التالية:
-افتتح كتابه بالحديث عن اختلاف العلماء في جدوى التداوي للطاعون من جهة، وتساءل هل ينفع فيه ما ورد من الدعية والأذكار؟ فنقل كلام العلماء في ذلك وخلافهم، واستأنس بكلام الحافظ ابن القيم والسيوطي، مع الاستشهاد ببعض النصوص عن ابن سينا في الطب.
-بين حقيقة الطاعون عند المتقدمين والخلاف فيه، وكان الشيخ مرعي يتدخل بتوجيه ما يراه مناسباً من النصوص، أو رد ما يستبعده فكره ورأيه.
-حاول ترجيح كلام أهل العلم والشرع على كلام الأطباء في مسألة وقت ظهور الطاعون، وتحديد الأطباء لذلك ببعض الفصول من السنة، وهي قضية واضحة لمن قارن بعض النصوص التراثية، إذ يجد بكل جلاء أن علماء الشرع كانوا أدق في عدة قضايا عن الطاعون من الأطباء كابن سينا، وابن النفيس وغيرهم ممن تكلموا في مصنفاتهم الطبية عن الطاعون.
-أكد الشيخ مرعي الكرمي على أن السبب الأكبر في ظهور الطاعون وتفشيه هو ما يقترفه الناس من ذنوب وفواحش، مستشهداً في ذلك بالأدلة الواردة من السنة النبوية.
-استفاد من نصوص العلماء الذين سبقوه في التصنيف في الطاعون، كابن حجر في كتابه "بذل الماعون" وخاصة أثناء الحديث عن الألفاظ المشكلة في بعض النصوص النبوية، والسيوطي، وزكريا الأنصاري.
-رجح مذهب جماعة من العلماء في إفادة التداوي والعلاج من الطاعون، وإجراءاتهم في هذا الباب، وهي تدابير اشتهرت في تلك العصور.
-رد بعض الاعتقادات المنحرفة في اتقاء الطاعون، والتي سادت بين بعض الناس في عصره.
-أورد بعض الأدعية والأذكار التي تقال عند الابتلاء بوباء الطاعون من السنة النبوية، ومن كلام بعض العلماء، في بعضها مقال نبهت عليه في موضعه.
-ختم كتابه بإبطال كلام المنجمين، وتوضيح أن تخرصاتهم ضرب من الرجم بالغيب، وأكد على عدم جواز تصديقهم في ما يدعونه ويتقولونه، وذلك في ضوء الآيات والأحاديث الواردة في التأكيد على انفراد الرب جل وعلا بعلم الغيب، وكذب من ادعاه لنفسه كائناً من كان
Read Now
DOWNLOAD : PDF / PDF
تحميل الكتاب من هنا
iTheme Techno Blogger by Black Quanta. Theme & Icons by N.Design Studio
Free Blogger Templates created by The Blog Templates
Free Blogger Templates created by The Blog Templates