توجيه النظر إلى أصول الأثر
طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري


من أجل العمل الصالح والعلم النافع خدمة السنة النبوية المطهرة، والاشتغال بنشرها، وتسهيل سبل الانتفاع بها. وقد تفنن العلماء في كل عصر برعايتها والعناية بها تفننا عجباً، يكاد يكون فريداً مختصاً بها، فألفوا في كل ما يعززها ويحفظها ويحافظ عليها، في نقلها وضبطها، وتحملها وتبليغها، وتعلمها وتعليمها، ونشرها وإشاعتها...
وكان من أفضل ما خدمت به السنة النبوية الشريفة علم المصطلح، الذي هو بمثابة المعيار والميزان الدقيق لمعرفة الصحيح والضعيف، ولكشف الدخيل فيها من الأصيل. وتتابعت جهود العلماء فيه تأليفاً وتصنيفاً من القرن الثاني من زمن الإمام علي بن المديني إلى زماننا هذا، فألفوا في تقعيد هذا العلم وتأسيسه، وتحريره وتمحيصه: المختصرات والمتوسطات والمطولات.
وكان من أفضل ما ألف في علم المصطلح من المطولات المحررات في القرن الرابع عشر: كتاب "ـوجيه النظر إلى أصول الأثر" للعلامة الجليل والإمام الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي، فهو كتاب ضخم جامع، أسسه مؤلفه على التزام تحقيق المباحث الاصطلاحية والبعد بها عن المكرور المعاد، فحفل بالموضوعات الهامة على المستوى الرفيع المتقن، وزخر في هذا واتسع حتى بلغت صفحاته 419 صفحة بالحرف الناعم الدقيق في طبعة المؤلف.
وخرج الكتاب إلى عالم المطبوعات في حياة مؤلفه، منذ زمن بعيد يزيد على ثمانين سنة، فقد طبع بالمطبعة الجمالية بالقاهرة، وأشرف المؤلف على تصحيحه وإخراجه كما أشار إلى ذلك في آخره، وكان المؤلف آنذاك يقيم بمصر، ثم طبع الكتاب تصويراً عن هذه الطبعة مرتين في بيروت دون تاريخ.
وبالعودة لمنهج المؤلف نجده قد اعتنى بتحقيق المباحث الاصطلاحية، وصرف جهده لتمحيصها وبيان الراجح فيها، وسلك فيها مسلك النقل والنقد والتعليق والاستدراك على ما بدا له فيه وجهة نظر. وناقش الآراء المرجوحة والأقوال الضعيفة بإيجاز وقوة، وهذا مسلك سليم قويم.
وللشيخ نهج آخر في تمحيص الأقوال والمباحث، وهو أنه حين ينقل كلام العلماء في موضوع ما، سواء كان ذلك في جانب القبول أو جانب الرد: تراه يدخل التحسين والتجويد على العبارة التي ينقلها، بحذف بعض جمل أو كلمات أو كلمة منها، أو بتقديم بعض الجمل أو الكلمات أو تأخيرها، أو بتأخير المقطع عن موضعه وتقديم مقطع آخر عليه، أو بإدخال حرف جر على اسم، أو بتبديل الحرف الجار بحرف آخر يراه أولى وأوضح في بيان المقصود، ونحو هذا من أنواع التصرف والتحسين.
وهذه الطريقة في التغيير والتحسين الذي يراه: شائعة في كتابه هذا وفي غيره من كتبه التي ألفها أو اختصرها أو لخصها. ويتصرف هذا التصرف –دون تحرج- في كلام كبار العلماء والأئمة إذا نقله، فقد صنع هذا فيما نقله من كلام الإمام الشافعي والإمام البخاري ومسلم والحاكم وابن عبد البر والخطيب البغدادي وابن الصلاح والنووي وابن تيمية والذهبي والعراقي وابن حجر وسواهم، وقل أن ينبه على ذلك. وعلى هذا فلا يصح غالباً اعتماد العبارة المنقولة هنا: أنها عبارة العالم أو الكتاب المنقول عنه بالحرف تماماً



Read NowRead Now





DOWNLOAD : PDF

تحميل الكتاب من هنا

0 comments

Post a Comment