معراج المنهاج شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول
محمد بن يوسف الجزري
من المسلم به أن الشريعة الإسلامية هي شريعة كاملة اشتملت على كل مصالح الناس، سواء منها كان ضرورياً للحياة، كالمحافظة على الأنفس والذرية، والعقول، والأموال، والدين. وما كان محتاجاً إليه لتيسير سبل الحياة، وتخفيف متاعبها، وما كان كمالياً يرجع إلى محاسن العادات، وجميل الصفات، مع الجمع بين مطالب الجسد، والعقل والروح في إطار من التعادل والتوسط دون حيف أو تقصير.
ومن هنا كان الإسلام صالحاً للتطبيق في كل زمان ومكان، وكافياً لإسعاد البشرية، دون حاجة إلى نظريات مستوردة من الشرق أو الغرب. وبتعبير آخر: لا تصلح الحياة إلا به، لأنه منهج الله تعالى. وما كانت الشريعة الإسلامية بهذه المكانة، فقد أودع الله فيها من الأصول والخصائص ما يجعلها قادرة على الوفاء بحاجات الناس المتجددة على امتداد الزمن، واتساع المكان، وتطور وسائل الحياة.
ومن أكبر الوسائل التي حققت هذا الهدف: أن نصوص الشريعة قد اقتصرت على الأحكام التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وتركت ما وراء ذلك لأولي الأمر من العلماء، يجتهدون فيه، ويطبقون عليه ما يناسبه من القواعد المقتبسة من النصوص، وبذلك تتسع الشريعة لكل ما يجد من حوادث الزمن وتطورات الحياة، مع الاحتفاظ بالأصالة والثبات، فهي تطوع تتغير بتغير الظروف والأحوال، وذلك بوضع القواعد والأصول التي تضبط طرق استنباط الأحكام الشرعية، وبنائها على أسس سليمة، سواء أكانت عن طريق البيان والتفسير للنصوص الشرعية، فيما فيه نص ثابت، أو كانت عن طريق الرأي والاجتهاد فيما لا نص فيه.
وبذلك تواكب الشريعة الإسلامية حركة الحياة في نموّها وازدهارها، وضبطها بضوابط دقيقة واضحة، تجعلها تسير حسب منهج الله تعالى، الذي ارتضاه لعباده.
ومن هنا تظهر فائدة دراسة علم "أصول الفقه" الذي يعتبر من أهم العلوم التي يجب تحصيلها، وبالأخص لمن يؤهل لأن يكون مجتهداً في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها المختلفة.
ومن أهم المؤلفات في هذا العلم كتاب "منهاج الوصول إلى علم الأصول" للقاضي ناصر الدين البيضاوي المتوفي سنة 685هـ، حيث يعتبر خلاصة موجزة للمطولات التي سبقته. حيث سلك البيضاوي فيه مسلك الإمام فخر الدين الرازي في كتابه "المحصول" إذ رتبه على مقدمة وسبعة كتب، فتكلم في المقدمة على تعريف أصول الفقه، والفقه، ثم تكلم على الحكم وأقسامه، وعلى وضع الألفاظ وكيفية استفادة الأحكام منها، وعلى الحقيقة والمجاز... الخ؟
وأما الكتب السبعة فهي: كتاب "الكتاب" وهو القرآن الكريم، وكتاب السنة، وكتاب الإجماع، وكتاب القياس، وكتاب الدلائل المختلفة فيها، وكتاب التعادل والتراجيح، وكتاب الاجتهاد.
أما ما يميز هذا الكتاب عن بقية المختصرات فيتجلى بذكر أهم -الآراء الأصولية- وإن لم يستوعب كما فهل ابن السبكي في "جمع الجوامع" مقرونة بالدليل النقلي أو العقلي، مع الرد على الآراء الضعيفة. وهكذا نراه بعد أن يقرر المذاهب وينسبها إلى أصحابها، يذكر دليل كل مذهب، ثم يرجح المذهب المختار عنده مع ذكر سبب الترجيح، كما يعني بتحقيق المسائل اللغوية بالنقل الصحيح عن أئمة اللغة كابن جني، وأبي علي الفارسي، والميداني، وغيرهم، كما يحيل المسائل المتعلقة بأًول الدين على الكتب المصنفة في علم الكلام، مثل كتاب "المصباح".
مما تقدم يتضح أهمية كتاب "المنهاج" ولذلك اهتم العلماء به ووضعوا عليه الشروح العديدة، ما بين مطول ومختصر، فقد وضع عليه ما يزيد على الثلاثين شرحاً، ما بين مطبوع ومخطوط.
غير أن شرح الإمام "محمد بن يوسف الجزري" الذي بين يدينا يعد من أهم شروحه وذلك انطلاقاً من فكرة أن هذا الإمام هو أول من شرح هذا الكتاب، فقد كان معاصراً للقاضي البيضاوي، أي أنه ليس بناقل عن غيره، بل هناك من ينقل عنه كتلميذه الإمام السبكي في شرحه المسمى "الإبهاج". ومن مميزات هذا الشرح أيضاً أنه عند التعرض لمسألة لغوية يتحرى النقل الصحيح عن أئمة اللغة مثل: أبي علي الفارسي، والميداني، وابن جني، وغيرهم، كما فعل في مسالة تعريف "الاشتقاق"، وكذا في معنى "إنما" وفي مسألة "جواز القياس في اللغات". كما يمتاز هذا الشرح بتوضيح المسائل المهمة بضرب الأمثلة التي توضح ذلك
1, 2,
DOWNLOAD : PDF 1-2
iTheme Techno Blogger by Black Quanta. Theme & Icons by N.Design Studio
Free Blogger Templates created by The Blog Templates
Free Blogger Templates created by The Blog Templates