حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار
صلى الله عليه وسلم وعلى آله المصطفين الأخيار
وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد المشهور بابن الديبع الشيباني الشافعي

إن خير ما يتدراسه الناشئة وطلاب العلم، ويعنى به الباحثون والمؤلفون دراسة السيرة النبوية، إذ هي وسيلة للتعلم والتهذيب والتأديب، وفيها ما يرجوه المؤمن من دين ودنيا، وعلم وعمل، وآداب وأخلاق، ورحمة وعدل، ثم نشر العقيدة والشريعة والقيم الإنسانية النبيلة. وإذا كانت السيرة في اللغة بمعنى: الطريقة والسنة، فإنهما يراد بها التعرف على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، منذ ظهور الإرهاصات التي مهدت لرسالته، وما سبق مولده من ظواهر وأحداث تلقى أضواء رحمانية على طريقة الدعوة المحمدية، ثم مولده صلى الله عليه وسلم، ونشأته متى مبعثه، وما جاء بعد ذلك من دعوة الناس إلى الدين والقيم، ما لقى صلى الله عليه وسلم في سبيل نشر هذا الدين من عنت ومعارضة، وما جرى بينه عليه الصلاة والسلام وبين من عارضوه من صراع بالبيان والسنان، وذكر من استجاب له، حتى علت راية الحق.

ولقد اهتم المسلمون الأوائل اهتماماً كبيراً بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه الفعلية والقولية، قبل أن تدوّن الأحاديث تدويناً عاماً في آخر القرن الأول الهجري، ولم يكن قد دون في تاريخ العرب أو السيدة شيء إلى أن مصنع أيام الخلفاء الراشدين، فكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على المدينة أبي بكر بن محمد بن حزم، وهو من كبار المحدثين طالباً منه أن يدوّن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب وزعه على البلاد الإسلامية.

وقد قام المحدثون بعدها بجمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب لا تلتزم منهجاً معيناً في الترتيب والتصنيف، ولم تخل كتبهم من ذكر ما يتعلق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وحياته ومغازيه ومناقبه وما إلى ذلك. وقد استمر هذا المنهج حتى بعد انفصال السيرة عن الأحاديث في التأليف.

ثم صنف في السيرة النبوية مصنفات خاصة بها، ومن بين المؤلفين بالسيرة ظهر مؤلف هذا الكتاب محمد بن عمر بن مبارك الحضرمي، حيث نهج في تأليفه نهج من سبقه من علماء السير فصنفه في وقت كثر فيه التأليف في السيرة، وكانت مؤلفات المحدثين في السيرة تحظى بالقبول والتقدير، لأنها من أفضل الكتب صحة، وأروعها تأليفاً، على حين كانت مؤلفات المؤرخين وأصحاب المغازي والملاحم لا تصل إلى تلك الرفعة التي حظيت بها كتب المحدثين، ذلك لأن المحدثين كانوا لا ينقلون في كتبهم إلا عن الثقات، ويطرحون ما لم يصح عندهم من الروايات، ويذكرون الأحاديث الصحيحة، ويبتعدون عن تدوين الأحاديث الضعيفة، ويهجرون الروايات الموضوعة والمنحولة.

لقد كان المؤلف أحد أولئك المحدثين حيث نهج في كتابه هذا منهجهم فانتقى الأحاديث الصحيحة، والأخبار الثابتة، واختار موضوعاته من أمهات كتب السيرة التي قرأها وتعلمها. ولا عجب في ذلك، فهو ممن عرف بطول اليد في علم الحديث وفنونه، فجاء الكتاب جليل النفع، عظيم الفائدة، غزير المعلومات، واضح الأسلوب، جزيل العبارة، ولأهميته اعتنى "محمد غسان نصوح عزقول "بتحقيقه وبضبط نصه، وبتخريج الآيات الكريمة المستشهد بها فيه، كما اعتنى عزو الأحاديث النبوية الشريفة الواردة فيه إلى نظامها في كتب السنة المطهرة، وبتوضيح ما كان منغلقاً وبهما من نصوصه بالشرح والبيان، كما وعنون فقرات الكتاب وذلك ليفصل بين موضوعات الكتاب المتتابعة، بطريقة تجعله سهلاً متناولاً في هذا العصر




Read NowRead Now


DOWNLOAD: PDF


0 comments

Post a Comment