‫أصناف المغرورين‬
أبو حامد محمد بن محمد الغزالى الطوسى



‫• مقدمة المؤلف‬ ‫• أصناف المغرورين‬ ‫‪ o‬غرور الكافر‬ ‫‪ o‬فصل فيمن يشاركون الكفار غرورهم من المؤمنين‬ ‫‪ o‬فصل فى غرور عصاة المؤمنين‬ ‫‪ o‬فصل فى غرور من يظن أن طاعته أكثر من معاصيه‬ ‫• فصل فى بيان المغرورين وأقسام كل صنف‬ ‫‪ ‬الصنف الول من المغرورين العلماء‬ ‫‪ ‬الصنف الثانى من المغرورين أرباب العبادات والعمال‬ ‫‪ ‬الصنف الثالث من المغرورين أرباب الموال‬ ‫‪ ‬الصنف الرابع من المغرورين المتصوفة‬

‫مقدمة المؤلف‬ ‫قال الشيخ المام العالم العامل حجة السلم أبو حامد محمد بن محمد الغزالى الطوسى رحم ال وعفا عنه:‬ ‫الحمد ل وحده والصلة والسلم على خير خلقة سيدنا محمد وآله وصحبه هذا كتاب الكشف والتبيين فى غرور‬ ‫الخلق أجمعين.‬ ‫اعلم أن الخلق قسمان: حيوان وغير حيوان.‬ ‫والحيوان قسمان: مكلف ومهمل.‬ ‫فالمكلف من خاطبه ال بالعبادة وأمره بها.‬ ‫ووعده الثواب عليها ونهاه عن المعاصى وحذره العقوبة.‬ ‫ثم المكلف قسمان: مؤمن وكافر.‬ ‫والمؤمن قسمان طائع وعاص.‬ ‫وكل من الطائعين والعاصين ينقسم قسمين: عالم وجاهل.‬

‫ثم رأيت الغرور لزما لجميع المؤمنين المكلفين والكافرين.‬ ‫إل من عصمه ال رب العالمين.‬ ‫وأنا بحمد ال أكشف عن غرورهم وأبين الحجة فيه.‬ ‫وأوضحه غاية اليضاح.‬ ‫وأبينه غاية البيان بأوجز ما تكون العبارة.‬ ‫وأبدع ما يكون من الشارة.‬ ‫والمغرورون من الخلق ما عدا الكافرين أربعة أصناف:‬ ‫صنف من العلماء, وصنف من العباد، وصنف من أرباب الموال، وصنف من المتصوفة.‬ ‫غرور الكافر‬ ‫فأول ما نبدأ به غرور الكافر وهو قسمان: منهم من غرته الحياة الدنيا.‬ ‫ومنهم من غره بال الغرور.‬ ‫أما الذين غرتهم الحياة الدنيا وهم الذين قالوا: النقد خير من النسيئة.‬ ‫ولذات الدنيا يقين.‬ ‫ولذات الخرة شك!!.‬ ‫ول يترك اليقين بالشك.‬ ‫وهذا قياس فاسد.‬ ‫وهو قياس إبليس لعنه ال تعالى فى قوله: أنا خير منه.‬ ‫فظن أن الخيرية فى النسب.‬ ‫وعلج هذا الغرور شيئان إما بتصديق وهو اليمان.‬ ‫وإما ببرهان.‬ ‫أما التصديق فهو أن يصدق ال تعالى فى قوله )وما عند ال خير وأبقى( )وما الحياة الدنيا إل متاع الغرور(.‬ ‫وتصديق الرسول صّى ال عليه وسّم فيما جاء به.‬ ‫ل‬ ‫ل‬

‫وأما البرهان: وهو أن يعرف وجه فساد قياسه.‬ ‫أن قوله: الدنيا نقد والخرة نسيئة مقدمة صحيحة وأما قوله: النقد خير من النسيئة.‬ ‫فهو محل التلبيس.‬ ‫وليس المر كذلك.‬ ‫بل إن كان النقد مثل النسيئة في المقدار.‬ ‫والمقصود فهو خير.‬ ‫وإن كان أقل منها.‬ ‫فالنسيئة خير منه.‬ ‫ومعلوم أن الخرة أبدية.‬ ‫والدنيا غير أبدية.‬ ‫وأما قوله: ولذات الدنيا يقين ولذات الخرة شك فهو أيضا باطل.‬ ‫بل ذلك يقين عند المؤمنين.‬ ‫وليقينه مدر كان: أحدهما اليمان والتصديق على وجه التقليد للنبياء والعلماء كما يقلد الطبيب الحاذق في الدواء.‬ ‫والمدرك الثاني: الوحى للنبياء واللهام للولياء.‬ ‫ول تظن أن معرفة النبي صّى ال عليه وسّم لمور الخرة.‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ولمور الدنيا تقليد لجبريل عليه السلم.‬ ‫فإن التقليد ليس بمعرفة صحيحة.‬ ‫والنبي صّى ال عليه وسّم حاشاه ال من ذلك.‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫بل انكشفت له الشياء.‬ ‫وشاهدها بنور البصيرة.‬ ‫كما شاهدت أنت المحسوسات بالعين الظاهرة.‬

‫فصل فيمن يشاركون الكفار غرورهم من المؤمنين بربهم والمؤمنون بألسنتهم وعقائدهم إذا ضيعوا أمر ال‬ ‫تعالى وهى العمال الصالحة.‬ ‫وتدنسوا بالشهوات.‬ ‫وهم مشاركون الكفار فى هذا الغرور.‬ ‫فالحياة الدنيا للكافرين والمؤمنين جميعا غرور: فأما غرور الكافرين بال تعالى فمثاله: قول بعضهم فى أنفسهم‬ ‫بألسنتهم: إنه إن كان ال معيدنا فنحن أحق بها من غيرنا كما أخبر ال تعالى عنهم فى صورة الكهف حين قال: (ما‬ ‫أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لجدن خيراً منها منقلباً) ما سبب هذا الغرور وسبب هذا‬ ‫الغرور قياس من أقيسة إبليس لعنه ال تعالى.‬ ‫وذلك انهم ينظرون مرة إلى نعم ال تعالى عليهم في الدنيا.‬ ‫فيقيسون عليها نعم الخرة ومرة ينظرون إلى تأخير عذاب ال عنهم في الدنيا فيقيسون عذاب الخرة كما أخبر ال‬ ‫تعالى عنهم (ويقولون فى أنفسهم لو ل يعذبنا ال بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) ومرة ينظرون‬ ‫إلى المؤمنين وهم فقراء.‬ ‫فيزدرونهم ويقولون: (أهؤلء من ال عليهم من بيننا(.‬ ‫ويقولون: (لو كان خيرً ما سبقونا إليه(.‬ ‫ا‬ ‫وترتيب القياس الذى نظم فى قلوبهم أنهم يقولون: قد أحسن ال إلينا بنعم الدنيا.‬ ‫وكل محسن فهو محب وكل محب فهو محسن وليس كذلك.‬ ‫بل يكون محسنا ول يكون محباً.‬ ‫ً‬ ‫بل ربما يكون الحسان سبب هلكه على الستدراج.‬ ‫وذلك محض الغرور بال عز وجل.‬ ‫ولذلك قال النبي صّى ال عليه وسلّم: (إن ال تعالى يحمى عبده من الدنيا كما يحمى أحدكم مريضه عن الطعام‬ ‫ل‬ ‫والشراب وهو يحبه(.‬ ‫ولذلك كان أرباب البصائر إذا أقبلت عليهم الدنيا حزنوا وإذا أقبل عليهم الفقر فرحوا.‬ ‫وقالوا: مرحبا بشعار الصالحين فقد قال ال تعالى: (فأما الِنسان إذا ما ابتله ربه فأكرمه ونعمه(.‬ ‫وقال تعالى: (أيحسبون َنمَا ُمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل ل يشعرون). الية.‬ ‫أّ ن‬ ‫وقال تعالى:(سنستدرجهم من حيث ل يعلمون وأملى لهم إن كيدى متين(.‬

‫وقال تعالى:(فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم‬ ‫مبلسون(.‬ ‫فمن آمن بال تعالى يأمن من هذا الغرور.‬ ‫ومم ينشأ هذا الغرور ومنشأ هذا الغرور الجهل بال تعالى وبصفاته.‬ ‫فإن من عرف ال تعالى فل يأمن من مكر ال.‬ ‫وينظرون إلى فرعون وهامان وثمود وماذا حل بهم.‬ ‫مع أن ال تعالى أعطاهم من المال.‬ ‫وقد حذر ال تعالى مكره فقال تعالى:(فل يأمن مكر ال إل القوم الخاسرون(.‬ ‫وقال تعالى:(ومكروا ومكر ال وال خير الماكرين(.‬ ‫وقال تعالى:(ف َهل الكافرين أمهلهم رويداً(.‬ ‫م‬ ‫فمن أولى نعمة يحذر أن تكون نقمة.‬ ‫فصل فى غرور عصاة المؤمنين‬ ‫وهم من يتكلون على عفو ال ويهملون العمل وأما غرور العصاة بال من المؤمنين فقولهم: غفور رحيم وإنما‬ ‫يرجى عفوه فاتكلوا على ذلك وأهملوا العمال وذلك من قبل الرجا فإنه مقام محمود في الدنيا.‬ ‫وأن رحمة ال واسعة ونعمته وشاملة وكرمه عميم وأنا موحدون نرجوه بوسيلة ا ِيمان والكرم والِحسان.‬ ‫ل‬ ‫منشأ ذاك الغرور وربما كان منشأ حالهم التمسك بصلح الباء والمهات.‬ ‫وذلك نهاية الغرور فإن آباءهم مع صلحهم وورعهم كانوا خائفين.‬ ‫ونظم قياسهم الذى سول لهم الشيطان: من أحب إنساناً أحب أولده.‬ ‫فإن ال قد أحب أباكم فهو يحبكم فل تحتاجون إلى الطاعات فاتكلوا على ذلك واغتروا بال ولم يعلموا أن نوحا‬ ‫عليه السلم أراد أن يحمل ولده فى السفينة فمنع وأغرقه إليه سبحانه وتعالى بأشد ما أغرق به قوم نوح.‬ ‫وإن نبينا محمد صّى ال عليه وسّم استأذن فى زيارة قبر أمه، وفى الستغفار: فأذن له فى الزيارة ولم يؤذن فى‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫الستغفار لها.‬ ‫ونسوا قوله سبحانه وتعلى:(أ ّ تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للِنسان إل ما سعى(.‬ ‫َل‬ ‫ومن ظن أنه ينجو بتقوى أصله كمن ظن أنه يشبع بأكل أبيه أو يروى بشراب أبيه.‬

‫والتقوى فرض عين ل يجزى فيها والد عن ولده(يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه(.‬ ‫إل على سبيل الشفاعة.‬ ‫ونسوا قوله عليه الصلة والسلم:(الك ّ ُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والحمق من أتبع نفسه وهواها‬ ‫يس‬ ‫وتمنى على ال الماني(.‬ ‫وقوله تعالى:(إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل ال أولئك يرجون رحمة ال وال غفور رحيم(.‬ ‫وقال تعالى:(جزاء بما كانوا يعملون(.‬ ‫وهل يصح الرجا إل إذا تقدمه عمل وإل فهو غرور ل محالة.‬ ‫ويقرب منهم غرور طوائف لهم طاعات ومعاص إل أن معاصيهم أكثر وهم يتوقعون المغفرة ويظنون أن لغة‬ ‫حسناتهم ترجح أكثر من كفة السيئات.‬ ‫وهذا غاية الجهل فيرى الواحد يتصرف بدراهم معدودة من الحلل والحرام ويكون ما تناوله من أموال الناس‬ ‫والشبهات أضعافا وهو كمن وضع فى كفة الميزان عشرة دراهم ووضع فى الكفة الخرى ألفاً وأراد أن تميل‬ ‫الكفة التى فيها العشرة وذلك غاية الجهل.‬ ‫فصل فى غرور من يظن أن طاعته أكثر من معاصيه وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها‬ ‫كالذى يستغفر بلسانه أو يسبح فى الليل والنهار مثل مائة مرة أو ألف مرة ثم يغتاب المسلمين وتكلم بما ل يرضاه‬ ‫ال طول النهار ويلتفت إلى ما ورد فى فضل التسبيح.‬ ‫ويغفل عما ورد فى عقوبة المغتابين والكذابين والنمامين والمنافقين.‬ ‫وذلك محض الغرور فحفظ لسانه عن المعاصى آكد من تسبيحاته.‬ ‫فصل فى بيان المغرورين وأقسام كل صنف‬ ‫الصنف الول من المغرورين العلماء‬ ‫والمغرورون منهم فِرق: الفرقة الولى فرقة منهم لما أحكمت العلوم الشرعية والعقلية تعمقوا فيها واشتغلوا بها‬ ‫وأهملوا تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصى وإلزامها الطاعات فاغتروا بعلمهم وظنوا أنهم عند ال بمكان.‬ ‫وأنهم قد بلغوا من العلم مبلغا ل يعذب ال تعالى مثلهم بل يقبل عليهم ويقبل فى الخلق شفاعتهم ول يطالبهم‬ ‫بذنوبهم وخطاياهم وهو مغرورون فإنهم لو نظروا بعين البصيرة علموا أن العلم علمان: علم معاملة، وعلم‬ ‫مكاشفة.‬ ‫وعلم المكاشفة وهو العلم بال تعالى وبصفاته.‬



Read NowRead Now



DOWNLOAD : DOC

0 comments

Post a Comment