كتاب قدوة الغازي
الامام ابي عبد الله محمد بن عبد الله ابن ابي زمنين


تعود أهمية كتاب الإمام "أبي عبد الله محمد أبي زمنين" "قدوة الغازي" إلى الفترة التي ألف فيها، فقد كتب هذا السفر في القرن الرابع الهجري حيث كانت الخلافة الأموية بالأندلس مضطلعة بأمر الجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله عز وجل، وقد آمن "أبو عبد الله ابن أبي زمنين" بأن الجهاد لا يعتمد على قوة الغزو وشوكة الدولة فحسب، بل لا بد من وضوح المبادئ وشيوع المعارف لدى الغزاة المجاهدين في سبيل الله حتى يكون جهادهم على خط جهاد الصحابة في رشدهم وعلمهم وامتثالهم لأوامر الشريعة ونواهيها، فكان "ابن أبي زمنين" أراد بكتابه هذا أن يربط بين الغازي في سبيل الله وبين السلف الصالح برباط العلم والإقتداء، حتى يعم النفع وتتحقق المصلحة.
أما أهمية "قدوة الغازي" في تاريخ الحياة الثقافية والتعليمية فتظهر في الكشف عن طرق العلماء ومناهجهم في التأليف في تلك الفترة المبكرة من تاريخ الأندلس. كما ينبغي الالتفات إلى الأهمية الفائقة للنصوص سواء منها الحديثية أو الفقهية التي حفظها لنا ابن أبي زمنين عن الكتب المفقودة بخاصة عندما ينفرد بها أو يكاد، أو عندما يقدم منها أوسع المقتطفات. ومن هنا أصبح كتاب "قدوة الغازي" بمحتواه ومنهجه وأسلوبه أثراً سامي القيمة، إذ قرب -لمن عقد العزم على الجهاد في سبيل الله- البعيد، وجمع له المتفرق.
وإذا ما عدنا لمنهج ابن أبي زمنين في كتابه نجد أنه قد صدره بمقدمة كاشفة أبان فيها عن سبب تأليفه لهذا الكتاب ومنهجه فيه وقد اشتملت على بعض الآيات القرآنية الكريمة التي تحث على الجهاد وترغب فيه، وبعد هذه المقدمة المختصرة شرع المؤلف في ذكر أبواب الكتاب المختلفة، سالكاً في ترتيبه وتنسيقه منهجاً موضوعياً مطابقاً للأعمال التي يقوم بها الغازي في سبيل الله، فكان الكتاب بهذه الصورة حسن الديباجة، محكم الوضع، متناسق التبويب لا انقطاع في سلسلة أغراضه، ولا تباين في لحمة معانيه.
وطريقة المؤلف في كتابه هذا هي الإكثار من النصوص الحديثية والفقهية بدون تعليق إلا في القليل النادر، فهو لا يتدخل بين القارئ والنصوص في الغالب الأعم، فرأيه مبثوث في الأقوال التي يرويها، ومن الترتيب الذي يعرضها به ومن العناوين التي يثبت بها أبواب الكتاب وتراجمه، وبهذه الطريقة أصبح كتاب ابن أبي زمنين يغلب فيه الأثر وحكاية أقوال الفقهاء غلبة واضحة.
هذا وقد اشتمل الكتاب على ثلاثة وعشرين باباً، يحتوي كل باب على جملة من الأدلة الشرعية، ففي البابين الأولين صرح المؤلف بذكر كلمة "باب" حيث قال: "باب من الترغيب في الغزو وفضائل أهله"، وقال: "باب النية في الغزو" أما باقي الأبواب فقد صدرها بذكر الترجمة من غير ذكر كلمة "باب ولم يلتزم المؤلف منهجاً معيناً في عرض المادة العلمية، فقد كان تارة يذكر الباب ثم يثنى بترجمة الموضوع، ثم يمهد لموضوع الترجمة ثم يذكر الأدلة.
والمؤلف يذكر في كل باب ما يراه مناسباً من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وآثار الصحابة والتابعين وآراء علماء الفقه المالكي.
ويعتمد ابن أبي زمنين في تفسير الآيات المستشهد بها على تفسير الصحابة رضوان الله عليهم ولا شك أنه بمنهجه هذا وقد وفق إلى أبعد الحدود لكون فهم الصحابة هو الفهم الصحيح لأنهم أقرب الناس إلى البيان النبوي في تبيان المعنى القرآني، وهم أقدر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على فهم مرامي التنزيل، وكشف حقائق التأويل، لأنهم شافهوا من نزل عليه الوحي، وعرفوا منه مواقع الخطاب ومرامي البيان ولابسوا أسباب النزول، فتبدت لهم خوافي المعاني ماثلة للعيان، وقد حرص ابن أبي زمنين رحمه الله على الاستفادة من تفسير حبر الأمة الإمام الجليل عبد الله بن عباس.
كما اعتمد المؤلف على أقوال التابعين في تفسير القرآن العظيم. أما الأحاديث والآثار التي أوردها ابن أبي زمنين فإنه لم ينقلها من الصحيحين أو الكتب الستة وإنما ساق معظمها من روايته، وانتخبها من منتخبات وأجزاء حديثية تحتوي على الصحيح والضعيف.
أما منهجه في دراسة المسائل الفقهية، فإنه لم يكن فيما أورده من مسائل الفقه جالباً إياها على وجع الاستكثار والاستطراد، وإنما سار في ذلك في طريقة قويمة تسير على اعتبار المطلوب الأول وهو بيان رأي الفقهاء في المسائل المدروسة، مجتهداً في ربط الكلام وإحكام تسلسل المعاني حول موضوع الغازي في سبيل الله وماذا ينبغي له أن يتحلى به من صفات.
وقد جمع ابن أبي زمنين في كتابه هذا آراء الفقهاء المالكية واستخرج منها أحكام واستظهارات، وسبك تلك الأنظار الدقيقة بناء على تنقيح العبارات وتهذيبها واختصارها الاختصار المحكم على الطريقة المختارة المسلوكة يومئذ






Read Now Read Now


DOWNLOAD : PDF

تحميل الكتاب من هنا

0 comments

Post a Comment