منطق الشرقيين و القصيدة المزدوجة في المنطق
الرئيس أبي علي بن سينا


الشيخ الرئيس ابن سينا من الخالدين الذين يحتلون مكاناً سامياً في تاريخ تقدم الفكر والطب والفلسفة. من أصحاب الثقافة العالية والفنية، ومن ذوي المواهب النادرة والعبقرية الفذة. وعلى الرغم من عدم امتداد حياته، إلا أنها كانت تفيض نشاطاً وحيوية وتحفل بالإنتاج والتأليف والإبداع. فكتب في الفلسفة والطب والطبيعيات والإلهيات والنفس والمنطق والرياضيات والأخلاق، ووضع ما يزيد على مائة مؤلف ورسالة يعتبر بعضها موسوعات ودوائر معارف أو جمع فيها شتات الحكمة والفلسفة وما أنتجه المفكرون الأقدمون، وأضاف إليها إضافات أساسية وهامة جعلته من أساطير الفكر مما دفع البروفسور جورج سارطون إلى الاعتراف بأن :"ابن سينا أعظم علماء الإسلام، ومن أشهر مشاهير العلماء العالميين". وبالعودة إلى كتابه الذي بين أيدينا نجد بأن ابن سينا أراد منه أن يكون كمدخل لسائر العلوم التي عالجها، أو كمدخل لكتاب "المقولات" لأرسطو أو على غرار كتاب فرفوريوس المعروف "بالايساكوجي" الذي ترجمه إلى العربية في القرن التاسع أبو عثمان الدمشقي، وكتاب "الايساكوجي" هذا، كما هو معروف، يتناول ألفاظاً خمسة هي الجنس والنوع والفعل والخاصة والعرض. ومع أن ابن سينا قد تناول هذه الألفاظ الخمسة أيضاً، ألا أنه تطرق بالإضافة إليها طائفة كبرى من الألفاظ التي يحتاج إليها طالب علم المنطق، وأشفع ذلك بأبحاث مفيدة في أبواب شتى، كالغرض من دراسة هذا العلم وعدد أجزائه ومنزلته من العلوم الأخرى و"أنحاء التعليم" أو المناهج المختلفة التي ينبغي درسها والتذرع بها في إيقاع التصور والتصديق في نفوس العامة والخاصة.

فكان لا بد لابن سينا من أن يتعرض في ما كتب من المنطق للمعرفة أولاً، من حيث هي تصور يكتسب بالحد، وتصديق يكتسب بالقياس نقسمها إلى: تصور لماهية كأنه يتصور العقل معنى الشيء، ويصل إلى هذا الحد. تصديق بقضية دون نقاش أو برهان، يصل إليها بالقياس. وفي كلتي الحالتين لا بد للمرء من استخدام المنطق ففيه وحده يستطيع معرفة شروط الحد الصحيح، أو القياس الصحيح، وألا يظل في الاختيار. ولاستكمال البحث عن المعرفة وطرق الوصول إليها، أخذ ابن سينا يدقق البحث أكثر في أدوات المنطق الذي يؤدي إلى حقيقة المعرفة. فدرس اللفظ موضوع التصور دون شك، وقسمه إلى جزئي وكلي. ولئن شدد الفلاسفة والمفكرين الذين توسعوا في علم المنطق، على درس الألفاظ، فلا من علاقة المنطق باللغة علاقة وثيقة فالإنسان لا يستطيع أن يفكر دون أن يكون فكره مقروناً بالألفاظ، حتى لو ثم هذا التفكير بين الإنسان وبين نفسه، ولذلك أصبح تركيز فلاسفة علم المنطق في الألفاظ ضرورياً.

وقد ذكر ابن سينا هذا الرأي في معرض شرحه لأفكاره في الألفاظ والقضايا التي تثيرها فقال "لو أمكن أن يتعلم المنطق بفكرة ساذجة إنما تلحظ فيها المعاني وحدها لكان ذلك كافياً". ولهذا فقد عرض بالتسلسل المنطقي كافة أنواعها ثم تدرج إلى عرض كافة إشكالات قياساتها إلى أن وصل إلى تصنيف مختلف درجاتها في التعيين. وبصورة عامة، بقي كتاب ابن سينا "منطق المشرقيين" عنوان فكره الفلسفي الذي حاول أن يقف، من خلاله، على حقائق الأشياء على قدر ما مكنته ظروفه أن يقف عليها، فحقق بعض أمانيه، ولهذا كان يمكن اعتبار هذا الكتاب كمقدمة لكتاب ابن سينا "اللواحق" الذي وعد بكتابته بعد كتابه "الشفاء"، والذي كان من المفترض أن يشرح بتفصيل أكثر انعطافه الفكري والفلسفي





Read NowRead Now


DOWNLOAD : PDF

0 comments

Post a Comment