نفحات الأنس من حضرات القدس
ابي البركات عبد الرحمن الجامي

يعتبر "الملا نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي" من أعظم شعراء الصوفية خلال القرن التاسع الهجري، بل هو واحد من أعظم شعراء التصوف خلال مسيرة حضارتنا، يستند في ذلك إلى قريحة وقادة، وخيال خصب، وهو الذي أحب الجمال وتغنى بالكمال.

اتسمت كتابات الجامي بالتنوع والعمق والكثرة، فقد أوصلها سام ميرزا إلى خمسة وأربعين مؤلفاً، أما بسودي فأكد أنها تسعة وتسعون مؤلفاً، وأورد تلميذ الجامي عبد الغفور اللاري أسماء سبعة وأربعين كتاباً، وقد أصدرت دار الكتب المصرية فهرساً بمؤلفات الجامي عنوانه: "نور الدين عبد الرحمن الجامي، فهرست بمؤلفاته المخطوطة والمطبوعة التي تقتنيها الدار" ويشتمل على خمسة وأربعين كتاباً ورسالة.

والكتاب الذي بين يدينا يدخل ضمن أهم مؤلفاته في كتب التراجم وقد بناه "الجامي" على بابين: مقدمة: جعلها تحت عنوان التمهيدات تناول فيها بعض القضايا الأساسية المتعلقة بالتصوف تناولاً جديداً، بل إن التمهيد الثالث في معرفة الصوفي والمتصوف والملامتي والفقير والفرق بينهم فريد في بابه، يحتوي على تحليلات عميقة، وفروق دقيقة، ومعلومات عن واقع بعض الطرق الصوفية، وحكم على بعض الفرق المنتسبة إلى التصوف، وهذا ما أعلى مكانة الجامي وقدرته بين الكتاب.

الباب الثاني: وجعله على ثلاثة فصول: الفصل الأول: اشتمل على (584) ترجمة لرجال التصوف، والفصل ذو أهمية عظيمة، فكثير من تراجمه لا نجدها إلا في هذا الكتاب. الفصل الثاني: اشتمل على (25) ترجمة للنساء العارفات الواصلات إلى مراتب الرجال، وجعل لهذا الفصل مقدمة قصيرة تحدث فيها عن فضل النساء على كثير من الرجال. الفصل الثالث: اشتمل على ذكر تسع متعبدات قانتات مجهولات. وبهذا يكون عدد تراجمه (618) ترجمة.

وهذا الباب رافد حقيقي ذو شأن لمكتبتنا العربية، وذلك لكثرة التراجم التي ذكرها، والتي لا نجد لها ذكراً في المصادر العربية، فقد بلغ عدد التراجم التي لم أجد لها ترجمة في مصادرنا (203) ترجمة، أي ما يعادل ثلثي الكتاب، وتفصيلهم: (191) رجلاً، وخمس نساء، وسبع مجاهيل.

لم يعتمد الجامي في سرد تراجمه على أسلوب محدد، فسرده لا يندرج تحت تصنيف الطبقات، ولا يندرج أيضاً تحت ترتيب كتب التاريخ، ولا هو يعتمد الترتيب الهجائي. ساق تراجمه عموماً حسب تاريخ الوفاة لكنه لم يلتزم بهذا إلا نادراً، فنراه يغيب أكثر من قرن، قرناً ثم يعود لذكر من فاته، ويقدم ويؤخر. فهو يسوق ترجمة ما فإن أنس بها يسرد ما شابهها وما شاكلها، فإن تكلم عن إشغال النفس جاء بترجمة أبي منصور بحفر البئر، ولا رابط بين الترجمتين إلا إشغال النفس. وإن ذكر رجلاً مات بحال السماع، جاء برجال كانت منيتهم كذلك. وإن أعجب بقول، جاء بمن تكلم بهذا القول.

وبالنظر لأهمية فقد حظي من الاهتمام والبحث والدراسة والتحقيق ما يليق به. وبين يدينا تحقيق لهذا الكتاب حيث اهتم المحقق بتخريج الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، وإثبات مصادر التراجم، ومضاهاة الأخبار، وإثبات الصواب قدر الاستطاعة. وعرف ما أمكن بالرجال والأماكن والجماعات والأفكار.

ولما كان الملا الجامي قد اعتنى على الكثير من الألفاظ العربية عربية سواء كانت أحاديث نبوية، أو أقوالاً، أو أشعاراً، فقد ميز المحقق هذا عما ترجم بجعلها بخط أسود مغاير. وأورد الأشعار العربية كما هي، أما الأشعار الفارسية فقد جعلها في منتصف الصفحة، ولم يجعلها شطرين ولو كانت موزونة، تمييزاً لها. وقد أبقى على النص كما جاء -ولو كان خطأ، أو تعبيراً عامياً -ليكون صورة صادقة عن ثقافة العصر ولغته.







DOWNLOAD : PDF / PDF

0 comments

Post a Comment